آل البيت.. ؟

” آل البيت ” كلمة ومسمي ومصطلح إسلامي يحمل دلالاتعظيمة ومعانٍ سامية حملت لنا في طياتها أثرا طيبا ومنهجاً أخلاقيا رفيعا وقدوة حسنة لكن ذالك المدلول السامي والأثر الطيب سرعان ما تحول الي دعوى وملكية ، والدعوى تحولت الى قضية والقضية صارت أشبه بقنبلة ذرية حديثة .

– قضية فعلت بالمسلمين الأفاعيل وصنعت بهم أكثر مما تصنعه القنابل الذرية في العصر الحديث.. طوفان مدمر وبركان هائج ظلت ثورته مشتعلة على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن كلما خمدت نيرانه وهداء ضجيجه عادت من جديد تزلزل أركان الحضارة الإسلامية وتهد مداميكها حتي الأساس. إنها القضية الأخطر في تاريخ المسلمين وحضارتهم..

– قضية أرقت مضاجع العلماء وزلزلت عروش السلاطين والخلفاء ، وسلبت أرواح الملايين من الناس على مرّ التاريخ..! قضية فرقت صفوف المسلمين ، ومزقت شملهم ، وشتت جمعهم وأيقضت العداوة فيما بينهم وأشعلت الحروب والفتن في بلدانهم منذ فجر التاريخ الإسلامي حتي اليوم..

– قضية أخذت من العلماء والباحثين الكثير من وقتهم واستنفذت كل جهدهم وطاقاتهم وتفكيرهم ، لعل وعسى أن يصلوا معها الي حل مرضي وعلاج شافي يحفظ للمسلمين وحدتهم وعزتهم ، ويُبقي على شوكتهم ، ويصون كرامتهم ودمائهم وأموالهم ، ويصد عنهم الفتنة في دينهم لكن دون جدوى فلازال الطوفان يتعقبنا جيلا بعد جيل ويجتاح العصور عصراً بعد عصر الى أن وصل عصرنا رغم ابتعادنا عنه مسافة زمنية بعيدة تقدر بـ 14 قرنا زمنياً..! ورغم هروبنا ودخولنا الي الألفية الثالثة الميلادية حيث يفصلنا عن ذالك الطوفان عالم إفتراضي وعالم هو أشبه بقرية واحدة وعصر يسمي بعصر التكلوجيا والإعجاز العلمي والفضاء والإنترنت ، عصر يحكمه العلم والسيادة فيه للمعرفة إلا أن ذالك كله لم يشفع لجيلنا ولم يصد ذالك الطوفان فلازال يعرف طريقه إلينا.. فهل سنجد لذالك حلا في هذا القرن أم أن القرن الواحد والعشرين عاجز عن ذالك أيضاً… ؟ .
وهل سيشفع لنا عصر المعرفة والإعجاز العلمي والتكنولوجي ، وزمن الفضاء والكمبيوتر أم أن العقل العربي عاجز عن الإحساس بالزمن وغير مؤهل لمواكبة الفكر الحديث ولايقوي على تخطي الماضي وسراديبه الأسطورية وأمراضه المزمنة… فيا تري إذا متي يكون ذالك ومتي سنؤمن بأننا نعيش في القرن الواحد والعشرين ..؟ وأن ” آل البيت ” _ رضي الله عنهم _رحلوا فعلا عن هذه الحياة قبل 13قرناً من الزمن ، ولم يتبقي منهم سوي ذالك الأثر الطيب ، والمنهج القويم والقدوة الحسنة فقط وذالك تراث عام لكل المسلمين وليس حكرا على أحد ، وأن آل البيت _ رضي الله عنهم _ أشخاص عاشوا في عصر صدر الإسلام وفي زمن النبي ( ص ) ، وليسوا أشخاص يعيشون في القرن الحادي والعشرين ، وأن الذين أمر الله ورسوله بتوليهم وحبهم وطاعتهم هم أولئك الذين عاشوا في زمن النبي ( ص ) وعصر صدر الإسلام وليسوا أشخاص يعيشون بيننا في القرن الواحد والعشرين ، فهذا أبو بكر البغدادي زعيم داعش ينتسب الي آل البيت وينتهي نسبه بالحسين فماذا يعني ذالك … .؟
هل يعني ذالك أن الرسول ( ص ) وعلي بن أبي طالب قد تركوا لنا طاعة أبو بكر البغدادي… ؟ أو أن الرسول قال من أحب البغدادي فقد أحبني ، ومن عصى الحوثي فقد عصاني ، أو أنه يقصد بقوله : ” من كنت مولاه فعلي موالاه ” : أي من كنت مولاه فعبدالملك الحوثي مولاه ، وأبو بكر البغدادي مني بمنزلة هارون من موسى ، وأنا مدينة العلم وحسين الحوثي بابها “… !؟
أم أنه يقصد بذالك علياً وحده ، وأن ذالك خاص بعلي وبأولئك الأشخاص الذين عاصروا فجر الرسالة وحملوا مع رسول الله (ص ) أعبائها وهمومها وواجهوا كل الصعاب في سبيل تبليغها الي الناس… ؟

وحتى لا نظلم آل البيت ( رضي الله عنهم ) ونظلم الإسلام ونتقول على رسول الله مالم يقوله يجب أن نفرق بين أمرين ومفهومين اثنين ومصطلحين مختلفين هما مفهوم ” آل البيت ” ومفهوم ( الإنتساب الي رسول الله ) والفرق بينهما شاسع وكبير جدا فكل هذا الضجيج والهرج والمرج والخلاف بين المسلمين في هذه القضية سببه الخلط بين المفهومين وبين الفريقين واعتبارهما مفهوم واحد وفريق واحد من ثم يتم استغلال عامة الناس بموجب هذا الخلط وبموجب هذا التوظيف لصيغة الخصوص التي وردت في الكتاب والسنة بالتشريف لآل البيت واطلاقه على الفريق الثاني الذين ينتسبون الي النبي ( ص ) مجرد الإنتساب فقط ظلما وعدوانا ، فهؤلاء في الحقيقة مقصودين بالتكليف مثلهم مثل عامة الناس وعامة المسلمين ، بالولاء لآل البيت واتباع ذالك الأثر وليس الوصاية عليه وتوريثه ، وادعاء ما لا يملكوه ، ولهذا يجب أن نفرق بين المفهومين وبين الفريقين ، بين ” آل البيت ” ومن خصهم الله ورسوله بالتشريف وأوجب لهم المحبة والولاء من الجميع ، وبين من ينتسب الي النبي مجرد انتساب وليس داخلا في خصوص التشريف وليس له من حقهم وفضلهم شيء.. ثم أن ( آل البيت ) الذين خصهم الله بالتشريف ، لم يخصهم الله بتلك الأوسمة لمجرد أنهم ينتسبون الى النبي ولمجرد قرابتهم منه ، ولو كان لمجرد النسب والقرابة فهناك من هو أقرب نسباً الى رسول الله من علي بن أبي طالب كأعمامه ، وهناك منهم في منزلته كأخوانه وأولاد عمومته ، ومن الظلم والجور أن يفضّل رسول الله هذا على ذاك لمجرد التفضيل أو أن يفضل إحدى بناته كفاطمة – رضي الله عنها- وأولادها على الأخريات من بناته ، ولكن لأن الأمر لا دخل للنسب والقرابة فيه وليس لرسول الله يد في ذالك ، فالأمر متعلق بالله سبحانه وبالجهد الشخصي والسعي والعمل الذي بذله هؤلاء في سبيل الرسالة وفي طاعتهم لله ، فقد استحقوا ذالك التكريم والتشريف الإلهي لما بذلوه من الجهد في سبيل الله وفي سبيل الدعوة وتبليغها ، ومشاركتهم لرسول الله كل أعباء الرسالة فحملوا معه ما حمل وعانوا ما عانا فكانوا معه في السراء والضراء وواجهوا ما واجه من المتاعب والأذى ، في حين تكاسل الآخرون من أعمامه وأبناء عمومته وتثاقلوا وتباطئوا عن الله ورسوله ونال غيرهم هذا الشرف ومن هو بعيد في النسب من رسول الله ومن ليس حتى من قريش كسلمان وعمار وبلال وخباب وغيرهم ، فقال عليه السلام ” سلمان منّا آل البيت ” ولم يقل العباس والحارث ، ولم يقل عقيل وعبيد الله ، ومن ثم فإن العباس بن عبدالمطلب وأولاده وبقية أعمام رسول الله ومن هم في منزلتهم في القرابة من رسول الله ليسوا من آل البيت ولا يدخلون في ذالك الشرف وذالك الخصوص ، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر نسبهم وقرابتهم من رسول الله ، ومع أنهم عاشوا مع النبي وعاصروه ، وبالرغم أنهم شاركوه بعض أعباء الرسالة وحملوا معه جزء من همومها وجاهدوا معه ما استطاعوا ، لكنهم لم يصلوا الى ما وصل إليه علي بن أبي طالب وآل بيته ، ولم يبلغوا تلك المكانة التي بلغها غيرهم من أصحاب رسول الله ، فهل يصل الحوثي وغيره ممن ينتسبون الى النبي في القرن الواحد والعشرين الى ما عجز عنه العباس وجعفر ، وعبيد الله بن الحارث وعبدالله بن عباس وغيره من الجيل الأول والثاني والثالث..؟!

– أن آل البيت في القرن الواحد والعشرين هو ذالك المنهج والإثر الطيب الذي تركوه لنا اؤلئك الأشخاص الطيبين الطاهرين الذين عاشوا زمن الرسالة وحملوا ما حمل رسول الله ( ص ) ولهم بذالك الفضل علينا والتشريف لما صنعوه من أجلنا وبما أنهم راحلون عن الدنيا كما هو قدر الإنسان فإن المقصود بعد رحيلهم هو ذالك الأثر الطيب والنهج القويم الذي ساروا عليه كي نسير على نهجه ونقتفي أثره وليس البغدادي والحوثي وغيرهم ممن ينتسبون الي النبي ، وذالك المنهج والأثر الطيب وهو ملك عام لكل المسلمين لا يحتاج الى الوصاية والإحتكار ولاميراث لأحد فيه ولا فضل لأحد إلا بتطبيقه واقتفاء اثرة فهو جزء لا يتجزء من الرسالة الإسلامية.. .

أن النسب الحقيقي في الإسلام هو التقوي والصلاح ، وأن السلطة والحكم في الإسلام هو للشريعة التي هي أصلا لعامة المسلمين ، ووليها هو الأصلح والأقوي والأقدر على حملها من المسلمين ومن يرونه أهلا لذالك ، وليست في ميراث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ولا حتي في ميراث النبي ، وكذالك فأن أقرب الناس نسبا برسول الله وآل بيته هم الأكثر تقوي وطاعة لله ولرسوله وأكثرهم أسوة به.. وعليه يسقط التشريف عن كل الناس هاشمي وعربي وكلهم تحت عموم التكليف ، ويبقي النسب الي رسول الله فقط دون تشريف ولا تفضيل وهذا لا خلاف عليه إنما الخلاف في التشريف ، أي أنه لا مانع في أن ينتسب الي رسول الله كائنا من كان ، لكن لا يعني ذالك الدخول في خصوصية التشريف المقصود بها آل البيت فلا سبيل الي الجمع بين التكليف والتشريف ، ولوكان النسب الي الأنبياء يشفع لأحد لشفع لإبن نبي الله نوح ولو كان للنسب فضل على الآخرين لكان فضله على ” آزر ” والد نبي الله إبراهيم عليهم السلام، ولكن النسب للإسلام والطاعة لله والرسول ، والولاء للقدوة الحسنة برسول الله ومن سار على نهجه من أصحابه وآل بيته ، أما البقية فلا فضل ولا خصوصية لهم على الآخرين فمثلهم كمثل من صلح أو فسد من ذرية الأنبياء فإن صلحوا كان بها وإن فسدوا كانوا كمثل ولد نوح كما قال تعالى ” آنه عمل غير صالح “… فلا علاقة للأعمال الحسنة أو القبيحة بالنسب ولا يعني أنك من آل البيت أن الحق معك أو أن الحكم لك وامتلاك رقاب الناس أو أن الله قد قال لك : ( إفعل ما شئت إنك من آل البيت )..!!.

أخيرا : لقد جعل أصحاب الدنيا والطامعين الي السلطة والحكم من آل البيت مطية لكل مطمع وذريعة لكل فتنة ، ووسيلة لكل غاية يبتغون الوصول إليها ، فكل من ركب هواه وسعي الي المجد والسلطة سعي اليها باسم آل البيت ، وكل مصيبة في العالم الإسلامي ترتكب باسم آل البيت..!!! فلا تقل لي أنك من آل البيت وأنت تعمل عمل آل فرعون ، ولا تحدثني عن القرابة من رسول الله وأنت تعمل عمل أبي لهب ، وطهروا آل البيت عن كل أرجاس السياسة وأوساخها وعن أوهام الطامعين وأعمالهم ، فكل عمل قبيح هو ردّ على صاحبه وليس على آل البيت ، فنزهوهم عن كل قبح وطهروهم كما طهرهم الله…
فمتي سنفهم ذالك ، ومتي سنصحوا من غفلتنا وندافع عن آل بيت رسول الله برفض كل قبيح وصد كل عمل غير صالح..؟؟.

علي نشوان