عاصفة الحزم والمصير المجهول لليمنيين

مذ بدأت عاصفة الحزم ضرباتها الجوية على اليمن يعيش اليمن حالة سوداوية قاتمة فعلى المستوى الإنساني تتفاقم مشكلات الفقر والبطالة وتردي الخدمات الأساسية وانعدام الأمن وتمتد الأوضاع الإنسانية وصولا لحالات مجاعة تلتف قطر الوطن .
على صعيد المستوى السياسي لم تعد الأحزاب السياسية اليمنية قادرة على احتواء مشكلاتها الداخلية فقد فُرضت على اليمنيين حربا اقليمية مجربين في المضي مع أو ضد ليجدوا أنفسهم أمام حربا أهلية حقيقية فرضتها قوى الخارج عبر تحالفاتها في الداخل اليمني .
في الحروب الأهلية آلة الحرب لا تفرق بين المدني والعسكري وبين المواطن ورجل الحرب فالجميع يكتوي بنار شرارتها ويعمد أمراء الحروب لإستخدام الرافعة الدينية في توجيه القناعات العقائدية بوجوبية الحرب وفرضيتها لما للدين من أثر في تجييش العواطف وتحريك الدوافع لدى العوام والأنصار .
وتكمن الخطورة في إتخاذ الحرب الأهلية طابعا عقائديا طائفي إذ لا مجال هنا للتوافق والحلول السياسية فالآخر في نضر خصمه عدو ديني تاريخي يجب القضاء عليه وكسر شوكته واستئصال جذوره إنتصارا للإله والعقيدة والدين وبالتالي فإن كل محاولات التصالح والتوصل لحلول سياسية تبقى مؤقته ومجتزءة وفقا لسياسات الحرب وضروريات الزمن.
فالجماعة الحوثية كحركة دينية لم تكتفي بما حققته من انتصارات في حروبها شمال اليمن بل امتدت لتلتهم الوسط والجنوب ودفعتها المطامع نحو الشرق للقضاء الكلي على ندها السياسي مستمدة تبريراتها للحرب من عقيدتها التي تمنحها الوجوبية في القضاء على منافسها السياسي كونه يعد خصم تاريخي وعدو مشروعها ولا يتحقق الإنتصار للحق الإلهي دون ذلك.
تأتي عاصفة الحزم كإحدى ثمرات الصراع السياسي الداخلي فحين تعجز قوى الداخل في التوصل لحلول سياسية تحفظ بقائها وتوازنها ،تتخذ الحرب طابعا إقليميا دوليا لاستعانة قوى الداخل بتحالفاتها الخارجية والتي غالبا ما تتدخل حفاظا على نفوذها الإقليمي وتحالفاتها وحماية لمصالحها وفي ضل استقطابات السياسة الدولية وقطبي الصراع العالمي نجد الدول القوية ذات النفوذ تعمد الى إتخاذ الدول الفقيرة المتناحرة داخليا موطنا خصبا لتصدير صراعاتها وخدمة مشاريعها السيادية فتتحول ساحة الوطن الى ميدان كبير للاعبين إقليميين ودوليين ما يجعل من مواطنوا الدول الفقيرة وقود حروب مشتعلة وضحايا لصراعات القوى الكبرى عبر تحالفاتها في الداخل الوطني “سوريا مثالا” .
وفي ضل دوامة الصراع تلك يكون من الصعب التكهن بإيقاف رحى الحرب الدائرة أو تحقيق الإنتصار لطرف على آخر إذ أن قابلية التوصل لحلول سياسية داخلية تبدو شبه مستحيلة مالم تضع أطراف الصراع العالمي حلاً توافقياً وإيقاف سياساتها في تغذية أطراف الصراع الداخلي وتوصل قوى الداخل الى حلول توافقيه يرتضيها الجميع.
يزيد من نزعة الانزلاق لدوامة العنف اللامحدود حالات الفقر والمجاعة والشعور بالإضطهاد والمظلومية من جهة ونشوة القوة وتسجيل الإنتصارات البطولية من جهة أخرى إذ لا مجال لتوقف فتيل الحرب الأهلية المشتعلة وانتصار أحد أطراف الصراع ميدانيا بالحسم العسكري كون الحرب قد أخذت بعداً عقائدياً وطابعاً دوليا وتضل حالة اللا أمن وللا دولة هي السائد وصوت الفوضى والدمار هو الأعلى “العراق كمثال”
لم يحدث في التاريخ أن تخمد شرارة حرب أهلية داخلية لتنتقل لمرحلة حرب الدولة للدولة كما يدّعي الحوثيون وأنصار صالح في تبرير حروبهم الداخلية ضد اليمنيين بتدخل عاصفة الحزم في الشأن اليمني فتدخل دول الخارج بذريعة إيقاف حرب داخلية لا يعد عدوانا إن حدث بطلب من أحد أطراف العمل السياسي الوطني وأيدته قوى سياسية وطنية وتم شرعنته دوليا عبر قوانين مجلس الأمن غير أن هذا التدخل لا يوقف حرب داخلية بقدر ما يزيدها شراسة ووحشية وتتخذ الحرب منحدرا زمنيا طويلا قد ينتهي بنظام سياسي جديد ودولة هشة تعصرها المشكلات الداخلية مع بقاء فتيل الحرب وعناصر التمرد الخارجة عن سلطة الدولة “أفغانستان كمثال” غير أن الأكثر إحتمالية وذكرا أن تتصدع الدولة الى جبهات قتال وتكون الفرصة مواتية للتشطير ونشوء الدويلات المتعددة في الدولة الأم مسنودة بدعم خارجي إذا ما اقتضت مصلحة تلك الدول في تفتيت القطر الوطني الواحد “السودان مثالا” ما يزيد نسبة احتمالية تصدع شطري اليمن شمالا وجنوبا والعودة لما قبل الـ90 م في ضل تنامي الأصوات المطالبة بالانفصال والأهمية الإستراتيجية التي يمثلها باب المندب كممر عالمي ، ويأتي ذلك في حال عجز عاصفة الحزم عن تغيير الواجهة السياسية والسماح بنشوء نظام سياسي تنافسي جديد والقضاء على سلطة النفوذ القائمة وملاحقة رموزها وقادتها .
وفي كلِ يجد اليمنيون أنفسهم بين آلة البطش العسكرية وشبح الموت من جهه ولفحة الفقر والمجاعة والجوع من ناحية أخرى ويبقى المصير المجهول في عيون الكثيرين يكتنف المستقبل المجهول .

بقلم /جمال البكالي