إكرام لمعي.. “نبي جديد صنع في أمريكا”

هذا المقال بقلم إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الأديان وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية.

هل حقيقة انتهى زمن الأنبياء؟ لقد كان الصوت النبوي يرن فى الأزمنة القديمة مجلجلاً محذراً الملوك والرؤساء من الظلم والقتل وسفك الدماء، كان النبي يتحدى سلطان الملك والإمبراطور لا يخشى في الحق لومة لائم، ولكن لم تكن رسالة النبوة تقتصر على ذلك، بل إن تحذير أصحاب السلطان كان جزءاً من رؤية نبوية تنقل الشعوب نقلة نوعية نحو المستقبل.
كانت نبوءة موسى عليه السلام هي أن ينقل شعبه من عبودية فرعون إلى الحرية فى الصحراء ثم إلى الإستقرار في الأرض، كان يحمل رسالة للشعب تقول أنهم أحرار ولابد أن يعيشوا هكذا وأنهم بشر ولابد أن يكون لهم قانونهم الخاص (الوصايا العشر)، ولابد أن يحكموا بواحد من بينهم وأن ينظموا حياتهم اليومية فى ضوء الشريعة الموسوية التي أوصى الله بها إليه، بل وأن يكونوا نموذجاً لأمة التوحيد لجميع شعوب العالم.

لكن موسى عليه السلام مات ودخل الشعب إلى أرض الموعد بقيادة يسوع، وتحولوا شيئاً فشيئاً إلى شعب عنصري وبدلاً من تقديم رسالة التوحيد للعالم، أصبحوا عنصريين يحتقرون باقي الشعوب ويعتبرونهم كلاباً وخنازير.

وجاء السيد المسيح في القرن الأول الميلادي في أرض فلسطين في الوقت الذي فيه كانت الإمبراطورية الرومانية في أوج قوتها وكان هناك ما يسمى بالعولمة الرومانية والتي لم تتكرر إلا بالعولمة الأمريكية. وكانت العولمة الرومانية تعتمد على ثلاثة أمور القانون الروماني واللغة اليونانية لغة العلم والفلسفة والتي اصبحت لغة عالمية وأخيراً الجنسية الرومانية.

واعتقد اليهود العنصريون أن المسيح قد جاء لكي يؤكد عنصريتهم ويقاتل باقي الشعوب (الأمم) بالحديد والنار ويجعل منهم أسيادا للعالم، لكن خاب رجاءهم فيه حيث قام السيد المسيح بنقلهم إلى المستقبل الذي يتمثل في مبادئ القانون الروماني والمساواة بين جميع البشر وتحدث عن محبة الأعداء وصنع السلام والوداعة، وقبول الآخر المختلف حتى لو كان كافراً بالله ورافضاً للعقيدة، و تماهى مع الجوعان والعريان والمسجون. كانت هذه الفئات محتقرة منبوذة من اليهود.

ومع كل هذه التعاليم للسيد المسيح إلا أن المسيحية كادت أن تدفن فى الماضى السلفى اليهودى باعتبارها أحد مذاهب الديانة اليهودية وذلك بعد رحيل السيد المسيح، إذ انقسم التلاميذ إلى قسمين الأول كان يعَّلم أن أي شخص يريد أن يكون مسيحياً عليه أن يتهود أولاً وكان يقود هذا الاتجاه يعقوب الرسول ويؤيده الرسول بطرس، أما القسم الثاني فكان على رأسه بولس الرسول الذي يحمل الجنسية الرومانية ويتحدث اليونانية بطلاقة والذي أراد أن يحمل رسالة المسيح بمقوماتها إلى العالمية، وقد حقق ذلك في المجمع الذي عقد في أورشليم لحسم الأمر، واتفق الجميع على أن السيد المسيح كانت له رؤية مستقبلية للإنسانية كلها ولم يكن عنصرياً. وهكذا كسروا قيد اليهودية العنصرية وانطلقوا نحو العالمية.

وبعد ستة قرون تهاوت العولمة الرومانية وفقدت اللغة اليونانية عالميتها وضعفت أوروبا وهنا ظهر رسول الإسلام في الجزيرة العربية مبشراً بمستقبل واعد للعرب وبعد أن بقى في مكة إثنتى عشرة عاما قريباً من المسيحيين واليهود، يعضد الفقراء والمعدمين منادياً بالعدالة الإجتماعية والتوحيد الخالص لوجه الله، إنتقل إلى المدينة وهناك تطلع إلى الخروج برسالته التوحيدية الخالصة لصالح الفقراء والمعدمين إلى العالم، ونجح في توحيد القبائل العربية. وكانت له وقفات واضحة مشرفة مع اليهود والنصارى. نظر إلى الإنسان كإنسان ورفع شأن العقل. واستطاع أتباعه بعد وفاته أن يصلوا إلى إسبانيا والنمسا ومعظم إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.

لقد كانت للرسول رؤية مستقبلية شاملة لم يرفض اليهودية والمسيحية، كما لم يرفض السيد المسيح اليهودية.

ومرت قرون وكلما ابتعدنا عن زمن الأنبياء تشدد أتباعهم في سلفيتهم، مع ان جذوة التقدم وامتلاك أدوات العلم والعالم كانت هى جوهر رسالة الأنبياء ولأن الأنبياء قد إنقطعوا ظهر مصلحون مثل غاندى فى الهند يحمل جوهر رسالة الأنبياء وإن كان هندوسى العقيدة، فقد آمن بالسلام بين جميع البشر ومات مقتولاً بيد هندوسى متعصب.

كما ظهر بعد ذلك مارتن لوثر كينج ليدافع عن السود في أمريكا ونيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا. وهكذا تم حل معظم المشاكل فى العالم، إلا أنه بقيت مشكلتان تؤرقان العالم القضية الفلسطينية وإسرائيل كدولة عنصرية يهودية، ثم انفجار الإرهاب فى الشرق الأوسط. ولقد راهنت امريكا على الاخوان المسلمين من خلال الفوضى الخلاقة والربيع العربي للقضاء على الارهاب، لكن ماحدث كان العكس. وفشل الرهان بفشل الاخوان وتجاوز داعش وباقي الجماعات كل الخطوط الحمراء فأعلنت امريكا الحرب وصرح اوباما أن القضاء على الارهاب يحتاج ثلاث سنوات وتعجب العالم، لكني كتبت في هذا المكان ان الثلاث سنوات ليست للقضاء على الارهاب فقط لكن للبحث عن بديل.

وكان الحوارعلى أشده بين المخابرات المركزية الأمريكية وأجهزة المخابرات الأوروبية، وأيضا قدمت دراسات عديدة وعميقة فى مراكز الدراسات العالمية على أنه لابد من بديل ذلك لأن المؤسسات الدينية المعتدلة في الدول الإسلامية التي خرجت منها داعش وما شابهها اعتبرتهم من المسلمين المخلصين غير الفاهمين!! من هنا جاءت التوصية التى قبلت من أصحاب القرار “إيران هي الحل” إنهم مسلمون معتدلون متقدمون، يقدمون فقهاً مستقبلياً، ولديهم القوة للقضاء على داعش والقاعدة وتحجيم حماس، ولكي يتم ذلك لابد من عقد صفقة “إتفاق دول 5 + 1” مع إيران على إستخدام النووي الإيراني للسلام مقابل رفع العقوبات عنها، وهي سوف تقوم بباقي المهمة.

وهكذا جاءت إشارة بدء العملية بتصريح اوباما عن الثلاث سنوات وتزامن ذلك مع فتوى المرشد الروحي خامئيني بتحريم استخدام القوة النووية والتي اشاد بها اوباما وعضدها في احدى تصريحاته كنوع من الغزل السياسي المتبادل بين البلدين اللتين كانتا قبلاً من ألد الأعداء.

من هنا بدأت المفاوضات تأخذ منحىً جاداً وتحددت مواعيد للانتهاء منها وعندما انتهى الموعد كان التمديد عكس كل المرات السابقة لقد كان الاصرار واضحاً. ومما اعطى الموقف الدرامي بعداً عجيباً وتشويقاً تراجيدياً وللفاهمين كوميدياً اعتراض إسرائيل على المفاوضات والوصول لإطار تمهيدا للاتفاق النهائي وطلبها أن تعترف بها إيران.

هل تصدق-عزيزي القارئ-أن إسرائيل بهذا الضعف وهذه السذاجة؟… عجيبة يا أخي !